هل نقشت في فؤادك يوماً كلمة، ثم بعد زمن أدركت أنها أعمق بكثير مما بدى لك..؟

في سيرلانكا، قابلت سائحة، أمٌ سعودية تبدو عليها علامات الصلاح..
سألتها عن منطقة اسمها “جنة جنة” إذا كانت تستحق الزيارة، فقالت: “قاد بنا السائق مسافة طويلة، وتكسرت ظهورنا من وعورة الطريق، تعبنا عشان نوصل لشوية خضرة وماء”

ثم عَلَّقت: “كل هذا التعب عشان جنة الدنيا؟ قلت في نفسي سبحان الله الذي جعل جنة المؤمن في صدره وهو في بيته مرتااااح، بس يقرأ ويدعي..”

لقد قالت كلمة عظيمة.. أدخلتني في بحر من التأملات.. كلمة تحتمل معاني وآفاق..و كلما فسرتها في معنى وجدتني لا أفهم كيف ربطته بسياق الكلام..

أخيرا..بعد سنوات من هذا اللقاء، أدركت ما تعنيه.. وأن كلمتها كانت نابعة من شعور حقيقي عاشته، لم تحكيه على سبيل المجاز قط.. عظيمة هذه المرأة ..

شعور تحار الأقلام في وصفه، ويصعب على الأفهام إدراكه، إلا أن تتذوقه..

وهو الشعور بالغنى والرضا والسعادة والكفاية بعد الانهماك في قراءة القرآن..

ضغوط الحياة كثيرة، وأحياناً نشعر حتى في أوقات فراغنا أننا في ضيق، وكم يلامسنا شعور أننا نحتاج إلى مكان نهرب إليه.. متنفس نسترخي فيه، (نعدل المزاج ونغير جو) ..

وكم منا من يردد بشكل مستمر أحتاج حالاً إلى السفر..؟ كأن السفر يحل كل مشاكل الحياة، وهو الطريقة الوحيدة التي تتشافى فيها الروح..!

بعد يوم قضيته مع القرآن، راودني شعور أن الجنة في صدري، تماماً كما وصفته السيدة..!
أدركت حينها أن أكثر متنفس نحتاجه هو الإقبال على القرآن..!
وأن الذين يشعرون بشكل دائم بالضيق في البيوت ومن ضغوطات الحياة، ويرغبون بالخروج والتنفيس هم الذين ينقصهم تذوق هذه اللذة..

في ذلك اليوم، لم أشعر وأنا مع القرآن إلا بنشوة..
قضى زوجي يومه مشغولا خارج المنزل، وأنا مع القرآن لم أشعر بالوحدة..
وعدني أن نخرج سوياً بعد العشاء، لم ينجز وعده..وأنا مع القرآن لم يراودني عتاب أو ضيق..
عاد متأخراً وطلب أن نخرج قليلاً إشفاقاً منه وخجلاً، لبيت طلبه لأجله، لا حاجة لنفسي أقصدها..

أعلم أن كلماتي ستمر على كثير من القراء مثل ما مرت علي كلمات السيدة أول مرة، وسيفهم ما أعنيه حتماً من يفتح له أن يتذوق هذه المعاني..
وحتى لا تنسى نفسي كتبت هذه المقالة..