في الفترة الأخيرة صار عندي اهتمام شديد بمطالعة مجال التطوير وتنمية الذات فصرت أركز في كل ما يطرح في هذا المجال لكن بأسلوب مختلف عما كنت أقرأ في طفولتي والذي ذكرته في تدوينتي: “أنا أستطيع بحول الله وقوته”
حيث أني أحاول قدر المستطاع أن أقرأ عن هذا التطوير في ضوء القرآن والسنة وأقرأ عن ما شاب هذه العلوم من خرافات وعقائد دخيلة. ففي زمن سابق كنت أرى أن التحذير من هذه العلوم مبالغة وإجحاف، إلا أني تأكدت أني لم أكن أعي ما يكفي وأن ذلك ما هو إلا خطوة مباركة في حماية العقيدة والفكر.
سررت كثيرا بمستوى الوعي الذي حققته مشاريع محاربة الفكر الوافد وشعرت بالغبطة لما رأيت ردود مجموعة من الأخوات على منشور لأخت لهن تدعو فيه إلى دورة من الدورات التي لا تخلو من كلام غير شرعي وغير علمي أو غير منطقي يحذرنها فيه من الترويج لمثل هذه السموم.
تمنيت لو أن مثل هذه النماذج تكون في مجتمعي حيث إني في الأماكن الأخرى لا أرى إلا تصفيقاً وإعجاباً حتى أشك أن في فهمي الخطأ!
أنا لست ضد فكرة تطوير الذات، بل أقر بأهميتها خصوصا لمن هم في مرحلة اكتشاف الذات وتكوينها من المراهقين.
ولكني ضد فصلها عن القرآن والسنة وتقديم الفرضيات الغربية على أنها مسلمات وعندنا في الشريعة ما يغني، وأرى أن هذا الانفكاك هو الذي فتح المجال لترويج الخرافات وعقائد وثنية، وسبب الانفكاك على -حسب ظني- أن الكثير من الذين درسوا هذا العلم وقدموه لم يكونوا على اطلاع وثيق بالعلم الشرعي وإلا فقد يتأكد عندهم أننا أصلا متفوقون في هذا المجال.
في مقال نشر في إحدى المدونات كان تدوينة بسيطة فيها قليل من الفلسفة وشيء عن احترام الذات وكانت الاقتباسات والشواهد بصريح العبارة “ففي الثقافة البوذية يقال أن كذا ….” تعجبت كثيرا، وظننته مقالا مترجما، لم أكد أصدق كيف بمسلم عزيز أن يصل إلى مرحلة الاستشهاد والترويج لعقائد شركية! ولم يتلفت البته إلى ما لدينا من أمثال وشواهد هي أشد عمقاً وتأثيراً.
الإيمان حاجة أساسية في النفس البشرية والذي من دونه تشعر النفس بالفراغ والضياع، كم هو مؤسف أن يبذل الإنسان فينا جهده، وقته، وماله في البحث عن حاجته في المكان الخطأ! هل يعقل أن تغيب عن العقول المسلمة أسماء الله الحسنى وصفاته وآثارهما في حياتنا وتستبدل بفرضيات إلحادية وعقائد وثنية؟
أليس من المشين أن نسعى وراء تلك الدورات من واحدة إلى أخرى ولو كانت تكرارا لبعضها، ونضع العلم الشرعي الذي هو ضياء ودليل في آخر اهتمامتنا؟
الشيخ خالد اللاحم في كتابه “الحفظ التربوي وصناعة الإنسان” يتطرق لهذا الموضوع في عدد من فقرات كتابه
ويذكر في فقرة المشروع الحضاري:
“إننا في هذا العصر نواجه حرب مصطلحات أحدثت غربة للقرآن والسنة بين أهلها بسبب ما يمارسه بعض الكتاب والمحاضرين والمدربين من تطوير للمصطلحات اللغوية بغية مجاراة الواقع وتقديم الإسلام للعالم بفهم العالم المعاصر دون أن ينتبه لآثار هذا التطوير وما يعقبه من فصل بين الناس وبين القرآن والسنة بسبب هذه المصطلحات الجديدة التي تتوالد يوما بعد يوم .
لقد أصبح أهل الثقافة يتكلمون بلغة يصعب على غيرهم أن يستوعب ما يقولون وفهم ما يطرحون وقراءة ما يكتبون من مقالات وبحوث فصار أولئك بدل أن يقدموا القرآن والسنة للناس بألفاظها ومصطلحاتها وأن يحافظوا على هويتها أوجدوا مصطلحات جديدة لتكون أكثر جاذبية وأقوى رنينا في أذن العالم وهذا التغيير للمصطلحات الإسلامية يمارسه أيضا عدد من الفئات في المجتمع فأهل التربية وأهل علم النفس والاجتماع والإدارة والاقتصاد والبرمجة اللغوية العصبية ممن يحاولون تأصيل تلك المجالات كل هؤلاء وغيرهم يمارسون العملية نفسها ([1]) حتى أصبحت لهم مفردات خاصة تحتاج إلى ترجمة وإلى شرح فانظر إلى أي حد وصلت غربة المصطلحات الشرعية حتى صار بإمكانك أن تؤلف قاموسا كبيرا لتترجم به تلك المصطلحات وتعيدها إلى سيرتها الأولى .
إنه في التعامل مع تلك الظاهرة أمامك ثلاثة خيارات :
الأول : أن تترك المصطلح الأصلي وتستعمل الجديد .
الثاني : أن تبقى على الأصلي وتتجاهل الجديد .
الثالث : أن تقوم بالربط بين الأصلي والجديد مع التأكيد على استخدام الأصلي ومحاولة إحيائه في النفوس بدل هجره واستبداله بغيره.
الأخير هو أفضلها لأنك إن استعملت الجديد وتركت المصطلح الأصلي تسببت في فصل الجمهور عن ألفاظ القرآن والسنة ومصطلحاتهما، وإن بقيت على المصطلح الأصلي لم يفهم الناس ما تريد نظرا لما يمارسه التعليم والإعلام من تحديث مستمر وحثيث للمعاني والأفكار وتسميتها بأسماء جديدة وهذا يفتك بالمسلمين ويضعف قوتهم العلمية المعنوية . ويلحق بهؤلاء أصحاب المحلات والمؤسسات والشركات التي أعجبت بالأسماء والشعارات الأجنبية ، وهو أمر يحرص عليه أولئك لأنهم يجدون جاذبيته عند الناس ، وهذا أحد أعراض الفساد في صناعة الإنسان.”
ممن وجدتهم يطبقون كلام الشيخ وهو نموذج إيجابي في مجال التطوير، مدرب يعرف نفسه بـ “مهتم بتنظيف التدريب من الخلل المبثوث وتوظيف التراث والموروث”
أ.ياسر الحزيمي، له كتاب “الشخصية القوية” ومحاضرة بنفس الاسم.
أيضا ممن يسعون إلى كشف الحقائق ومحاربة الفكر الباطل:
مركز البيضاء
https://twitter.com/Albaydha
د. فوز كردي
https://twitter.com/fowz_3k
ــــ
لتحميل كتاب: الحفظ التربوي وصناعة الإنسان، د.خالد اللاحم
رائع في الصميم تدوينتك واتمنى ان تحدثيها بإستمرار لإضافة تعريف بأناس يحاربون الفكر الباطل ويكشفون الحقائق
بإذن الله
سعيدة بمرورك
جزاك الله خيرا أختي سرمدية النقاء ?
فعلا هذا الموضوع “تطوير الذات” يحتاج أن يتحدث عنه لأنه فيه من اللبس والأخطاء الشيء العظيم.
أستمع كثيرا للأستاذ ياسر الحزيمي وأيضا أقرأ للدكتور مشعل الفلاحي
بوركت وبارك الله لك في قلمك
يسعدني مرورك مريم، وأحب ما تثرين فيه بتعليقكِ
شكرا لكِ
شكرا لطرحك سرمدية. بالرغم من عدم اتفاقي مع بعض مضمون مقالك. أتساءل لم يرتاب الكثير من المتدينين و غير المتدينين آحيانا من أي علم جديد أو مصطلح حديث يدخل في المشهد؟ . أجدهم يحتاجون سنين وسنين لوضع ما جد في دنيا العلم تحت المجهر بحجة سد الذريعة و ( شيء تعرفه خير مما لا تعرفه) و النتيجه تأخر معرفي و ثقافي و علمي.
الا كان من الاولى أن نتعامل مع كل شي بأصل الاباحه اولا ثم نتعامل معه بموضوعيه و بعدها ان ثبت تعارضه مع الشريعه تركناه. ؟
وجهة نظري.. سررت بالمرور هنا و بورك طرحك
لعل ما ذكرت هو الكلام فيه من المبالغة، فعلى العكس هم أكثر الناس تشجيعا على نشر العلوم الطيبة والنافعة.
وإنما ما يحصل هو فيما لا يكون أصلا علما، ويحاولون تسميته بعلم إضلالا للناس، أو إلحاقه بعلم يريدون بذلك استبداله بالأصل، أو إدخال ما ينافي الدين من عقائد على هيئة علم.
علم التطوير تحديدا استقى من نبعه كثير من المشايخ، وقاوموا بتوظيفه في تطوير أعمالهم الدعوية وجذب المستمعين، تأليف الكتب.
إنما نحن نرفض أن تكون للقرآن والسنة غربة، وأن يتقدم أي شيء عليها..
لأننا نؤمن أن القرآن والسنة وحيان، بهما نستدل على الطرق السديدة في سلك الحياة..
لا نظرات المنظرين التي لا تتفق أصلا..
هنالك فرق بين أن يكون دليلنا وحي، وبين أن يكون عقل يصيب أو يخيب.