الرحلة في عالم الكتب، أمر قد لا يتكرر كل يوم!، ولا شك أنها تحمل في طياتها مواقف كثيرة، ومشاهد لا تنسى، لا سيما إذا قصدتها بغرض التفرج والتأمل، كما كانت زيارتي لمعرض الشارقة للكتاب هذا العام التي أعتبرها مميزة عن سالفاتها حيث قصدتها غير حاملة لقائمة من الكتب التي أحرص على اقتنائها، مما أتاح لي التجول على مهل في رحلة استطلاع لا رحلة تفتيش، فكان الناتج أني خرجت بمشاهد عالقة في الذهن إثر التأمل والتفكر، وهذه المشاهد منها ما أثار الدهشة، ومنها ما استنكره العقل، ومنها ما اشمأزت منه النفس، ومنها ما أسفت لحاله.
لاحظت هذا العام انتشار نوع جديد من الكتب، استحدث مؤخرا، ومن سيمته أنه يحمل صورة عصفور تويتر على غلافه، وبالمعنى تغريدات مجمعة. وعلى الرغم من أن فكرة الكتب التي تحتوي على عبارات قصيرة ليست بجديدة، ولكن ظهورها وبشكل صريح على أنها تغريدات تم التغريد فيها عبر موقع تويتر دليل على تأثير هذه الشبكة الاجتماعية على محيطنا. ومما تبادر في ذهني، أن الإقبال على هذا النوع من الكتب وانتشاره المفرط أو بالأحرى تفضيله على غيره، تدني في مستوى القراءة و الكتابة، فعلى الرغم مما للاختصار من فوائد، إلا أنه لن يغني يوما عن المقالة التي فيها الكم الغزير من المعلومات والحكم التي تلتحم بعضها ببعض وتتكامل، والصورة التي رأيتها بعيني وأنا هناك كانت تدفعني لأن أقول: “من سيأتي معرض الكتاب ليشتري شيء مما يراه كل يوم؟”
والتصرف الأمثل للكتّاب هو الجمع بين قصار العبارات والمقالات، كما قام به كل من المغلوث في كتاب ” تغريد في السعادة والتفاؤل والأمل” وهدى الفريح في “ترانيم السعادة”.
وللمغلوث كلمة من مقدمة كتابته يقول فيها: “ورأيت أن أدرج التدوينات المطولة، التي نهضت من بذور التغريدات؛ حتى يكتمل الكتاب وأشجع الأصدقاء على عدم الركون للتغريدات ومحاولة استثمارها في مشاريع أكبر ينثرون من خلالها أفكارهم بتأن وتؤدة، فلا شك في أن الاختصار فعل عظيم. لكن ينبغي ألا ينسينا أننا ما زلنا بحاجة إلى الكثير من التدوينات المطولة، والمقالات، والكتب التفصيلية، التي تقودنا إلى المزيد من التفكير والتأمل والبحث”
وفي مشهد آخر، أشعرني بعمق التفاهة، وأثار سخطي من البلاهة، أن أرى كتبا تصف مع الكتب وهي بالأصل ما هي بكتب، سخافات من النكت، أو من المعلومات غير الدقيقة أو المقبولة، وكأنها موضوعات من أيام المنتديات نسخت ولصقت مع تنسيق جميل يعطيها السعر الفلاني، أو كمثال أكثر حداثة: رسائل الواتس أب.
وقد تفقدت يوما ما لدى أختي الصغيرة من الكتب فرأيتها قد اشترت من هذه الكتب كتاب التعرف على الشخصية، فانصدمت من قلة المحتوى، على كثر عدد الصفحات، وكمية المعلومات غير المنطقية، وغير المبنية على دراسات!
كتب تُصرف عليها المبالغ، ويُجنى من ورائها الخسائر،وليست أكثر من تبذير، أمر يوحي بأن دور النشر أصبح عندها حوس الكمية، وقلت عندها المسؤولية، فصارت تفكر فقط بتضخيم عدد الكتب دون الإكتراث لجدواها، أو الأمانة العلمية واحترام العقول.
أما عن الروايات وما أدراك ما الروايات، فإنك إن كنت مكاني فبلا شك ستقع على روايات بأسماء غريبة وعجيبة، تدور كل المحاور فيها حول المرأة لا غير، ولك أن تتفكر في كم عدد الروايات التي تكون بطلتها امرأة مقارنة بعدد ما يكون الرجل هو البطل، وثم إنك وبلا شك ستستشعر كمية البؤس، والظلام المحيط، والخوف، والضياع، كله مجموع في عنوان الرواية، والرواية في النهاية أحد هذين الأمرين، فإما أن تكون البطلة معلقة على حبل مشنقة، أما عابثة متغطرسة عبثت في الأرض الفساد، ولا شيء دون هذين إلا ما ندر.
ومن باب الطرافة أذكر لكم أني قد ذكرت هذه الملاحظة لأحد باعة دور النشر، فإذا به من باب الإغاظة يرفع لي كتابا في عنوانه مديح للرجل بأجمل الأوصاف!
ومن الروايات ما يحرك الشجون، لا بسبب العبرة وإنما بسبب ما فيها من الجرأة والوقاحة وإفساد للعقول، فعجيب كل العجب أن ترى عنوان لرواية فيه جرأة على الله وعلى بعده بقليل كتاب آخر ديني !!
ومما لاحظت أيضا في المعرض، كثرة الكتب المصفوفة -بالأصح هي كتيبات- ذات قيمة عالية وإخراج بديع، مع قلة الإقبال عليها مقارنة بسالف عهدها، مثل: كتيبات الأذكار والأدعية، فمع الطفرة التقنية التي نعيشها صار الناس يفضلون تصفحها إلكترونيا ويستثقلون حملها في الجيوب أو الحقائب، وما أتمناه حقا أن يبادر مبادر بتحويل هذه الكتيبات إلى تطبيقات فينتفع منها الجميع كما هو الحاصل مع كتاب حصن المسلم.
وإني لآسف لكون كتاب ككتاب “أوراد أهل السنة والجماعة” ليس له تطبيق(*)، مع أنه من أشهر الكتب وأنفعها وفريد في تصنيفه.
كانت هذه مشاهد من جولتي في معرض الكتاب، ولربما هي ليست الوحيدة، ولكنها الأعلى أهمية بالنسبة لي، والتي لم استطع نسيانها.
والمجال لك الآن قارئ تدوينتي الكريم: هل مرت عليك مشاهد أخرى من ربوع هذا العالم تحدثنا عنها؟
ـــــــــــــ
تحديث:
(*) بحمدلله وجدت له تطبيقا ولكنه يعاني بعض المشاكل