أذهلني منظر طفل في الرابعة من عمره، وضع فراشه على الأرض ثم فرش عليه الشرشف فوضع الوسادة ثم فرش اللحاف ونام، قبل أن يهم إلى مساعدته راشد ومن دون أن يطلب مساعدته حتى.

ما لفت انتباهي أكثر أن الراشد كان يخطط أن يقوم بمهمة فرش الفراش بعدما ينتهي سريعا من عمله لفكرة يقينية في ذهنه أن الطفل لا يقدر!

وما أدهشني أكثر ..أن الطفل لم يكتفي بفرش الفراش فحسب، وإنما بترتيبه بأدق تفاصيله تاما وبأكمل وجه للإحسان ..في حين كان يفكر الراشد بفرشه بشكل عشوائي دون ترتيب لعدم أهمية ترتيبه بإحسان لطفل وصل النعاس مبلغه.

 

وهنا توقفت وبدأت أتأمل أحوال كثيرة استنبطتها من هذا الموقف:

 

بداية، اعتماد الطفل على ذاته وعدم الاتكال على غيره. الأمر الذي نشكو منه كثيرا لخروج جيل ناشئ لا يجيد أبسط الأمور في الحياة كقص الفاكهة أو إعداد شطيرة!

والحاصل، أننا نجد هذا الجيل كأمثال الطفل ذلك كانوا؛ لكنهم تغيروا تبعا لرواسب التربية والبيئة. فنتج عنهم مجتمع اتكالي بدرجة فضيعة ينتظر من ينفذ عنه مهامه.

 

ثانيا، الفكرة السائدة في عقولنا عن الآخرين بعدم استطاعتهم دون دليل يستدل به، وخصوصا كوننا مجتمع عطوف، تكثر عندنا مشاعر الشفقة، بيد أننا لا نجرب ولا نسأل ولا نمنح فرص للاختبار.

المشكلة أن هذه الفكرة تتحول إلى عائدة ، فأصبح طبيعي في مجتمعاتنا أن نسمع عن أبناء لا يستطيعون التصرف بأمر دون مشورة آبائهم أو طلب المساعدة، (في ذواتهم خور)، ونتيجة لذلك نعجب من آباء ما زلوا يتحكمون في نظام طعام أبنائهم، في تعاملهم من الآخرين، وحتى في تحديد مستقبلهم وطموحاتهم، رغم أن أبنائهم تجاوزوا مرحلة الطفولة بكثير!.

الخوف من الخطر كذلك عامل مهم في تخليد هذه الفكرة مما أنتج عنها اعتقادات لا أصل لها، وخوف من التجربة، وتراجع عن التقدم.

إني لأتعجب كوني تربيت منذ صغري على أن المقص والسكين أداتان محظورتان على الصغار لخطورتهما الشديدة،(الأمر الذي أدى إلى عدم إحساني استخدامها عند الكبر!) أجد أن المدارس الأجنبية قد فرضت استخدام المقص وجعلت لاستخدامه أنشطة وواجبات، ثم أدخلتهم المطابخ وعلمتهم استخدام السكين والتقطيع.

الجميل فيهم أنهم بدل أن يعالجوا المشكلة باستئصالها، عالجوها بتعليم الأسلوب الصحيح لاستخدامهما. مما أدى إلى تعلم الأطفال المسؤولية في استخدام الأدوات بدل أن تحيط بهم هالة الخوف المبالغ من الخطر والذي لا يؤدي نفعا.

 

ثالثا، أن ينجز الطفل عمله بكل إحكام! ودقة لم يفكر فيها الراشد.. فهي قيمة جميلة غرست في مبادئ الطفل، كاد ذلك الراشد أن يقتلعها بتصرفه الطائش حين أراد أن يكسر قانون الإحسان في ذات الطفل.

 

الطفل هذا قد يكون الآن يبدو لكم نموذج إيجابي لتربية إيجابية وشخصية معتمدة على ذاتها ، لهذا شيء من الصحة.. لكني إذا طلبت منكم الاقتراب والنظر عن كثب في حياته، يقضي الطفل يومه في الروضة ثم يعود ليكون في عهدة الخادمة ثم تبقى الخادمة تشرف على أموره طول اليوم حتى في حضور أمه. غياب أمه ربما علمه الاعتماد على ذاته، لكنه حقيقة اتكالي قدر ما يستطيع إذا تواجدت الخادمة.. لأنه تربى على أنها هي من ستنفذ أوامره وتحضر طلباته صغيرها وكبيرها، كآلة صنعت من أجله.

 

وهنا نقطة رابعة أضيفها: تربي الأطفال على وجود من يخدمهم عامل رئيس في نشوء الجيل التواكلي الذي نكون أحد أفراده، والفرق ملحوظ بشكل جلي بين الأسر التي تعتمد على الخدم والأسر التي لا.

 

هنا طبعا وبكل تأكيد أنا لا أقول لا تستقدموا خادما، بل أقول.. علموا أبناءكم أن مهامهم هي مهامهم ليست مهام الخدم أو مهامكم أنتم.

 

 

 

خلاصات:

 

  • ليس كل ما تظنه صحيح دائما، لا تحكم على قدرات الآخرين دون اختبارها.
  • أنتم القدوة، فربوا أنفسكم على الصحيح ليتربوا أبناؤكم على الصحيح.
  • إذا كنت إنسان فوضوي، لتكن فوضويتك سرك الذي لن تظهره لطفلك =) .
  • علموا أطفالكم أن لكل مهام ومهامهم هي مهامهم.