نهاية كل عام يدندن الناس حول التخطيط وما هي الأهداف التي ستولد وتنمو في العام الجديد؟ فكأنما هي رياح الهمة قد هبت لتنفض غبار النمطية والكسل، وتظللهم بغمام الإيجابية والعمل، وما أبهى هذه الأجواء التي تعدي العودى الحسنة.

ثم بعد ترادف الأشهر نرى الصامدون على أهدافهم قلة، والباقون يجترون لظى التراجع والانسحاب.. في حين أن آخرون لم يحموا هم الصمود، ولا وجع الانسحاب، فهم لم يخططوا أصلاً لعدم اقتناعهم بجدوى ذلك.

الفتور من بعد الهمة، والإحباط من بعد الإنجاز يؤول لأخطاء سواء في النفس أو في طريقة التخطيط..ولأهل الخبرة نظرة متفحصة وتدريبات في هذا الباب.

ولكن الموضوع التي يشغل بالي والسؤال الذي اطرحه هو:

“هل نحن نحتاج التخطيط بداية كل عام؟”

بمعنى آخر “هل يشترط ربط خططنا بدخول عام جديد وانقضاء آخر؟”

اتحدث عن الخطط على المستوى الشخصي لا المؤسسي، فبالنسبة لي توقفت عن كتابة الأهداف بدعوى أن كل الناس تسجل ويجب أن أكون إيجابية مثلهم وأسجل أو لأنه موسم تسجيل للأهداف..

لم أرى أنه من المجدي التخطيط بداية العام أو نهايته، في حين أننا خلال العام تمر علينا مواسم ومناسبات هي أكثر دعوة لاتخاذ قرارات ووضع أهداف مثل رمضان، الحج
أو في بداية فصل دراسي جديد، أو بداية الإجازة.. أو عند تغير الوضع الاجتماعي والظروف، من تخرج، ووظيفة، زواج أو إنجاب ونحوه.

لماذا أضع خططتي في تاريخ لا يخصني وليس له معنى مؤثر في حياتي؟

أنا مؤمنة جدا أن الإنسان يحتاج العيش برؤية، وأهداف متجددة، فالإنسان من غير أهداف، إنسان يفنى عمره من غير طائل، فارغ من الداخل، حياته رتيبة والسأم يرافقه، ما من تحدي أو إثارة، ومستواه في ركود لا من تقدم ولا تزكية..

لكني أرى أن الوقت المناسب لوضع أهداف جديدة، هو عند حاجة النفس إليها..في الوقت يشعر الإنسان أنه قد آن أوان التغيير، أو ربما في هذه المرحلة يكون أنجز أهدافاً والآن يضع أهدافاً أخرى..فإذاً تكون لديه رغبة ملحة إلى خطة تضبط الوضع بناء على المعطيات والأجواء العامة، لا تبدل الأرقام.

وفي هذا الباب عندي نصيحتان لعلهما تفيدان كل من يفكر بالتخطيط، عن نفسي وجدت أن هذه أفضل السبل للاستمرار بالإنجاز من غير تعرض لحالة اليأس والقنوط..

الأولى، وهي أن تحدد الخطة بفترة زمنية قصيرة، مثلا خطة لمدة شهر، شهرين، ثلاثة.. طبعا على حسب المهمة..
وعادة هذا ينطبق على الأهداف من قبيل اكتساب عادات جديدة مثل: القراءة، حفظ، إحياء سنن، (أغلب الخطط الشخصية تشمل هذا) فيكون شهرٌ من التحدي مثلا معقولاً، ثم يتجدد التحدي بعد ذلك، وقتها من الممكن أن يكون قد طرأ تغير في الظروف!، بداية اختبارات، بداية إجازة وكثرة زيارات، أو مهمة خارج الخطة تم تكليفك بها، .. وما إلى ذلك فتبدأ تضع خطة جديدة تناسب ظرفك الجديد..وهذا يعطيك مرونة أكبر ويجعلك مقبلاً على أهدافك مستمتعاً لا ملزماً..تبصر عينك مقدار إنجازك لا الجزء المفقود..

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)

أما النصيحة الثانية،

سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ ؟ قال : ( أدوَمُهاوإن قلَّ ) . وقال : ( اكلُفوا من الأعمالِ ما تُطيقون ) . رواه البخاري

فقراءة ١٠ دقائق في اليوم وأنت تستوعب ما تقرأ خير من أن يكون هدفك قراءة كتاب في أسبوع مثلا، وأنت بذلك تضغط على نفسك لتنهيه ولا تستفيد منه شيئاً إلا أن تضيفه لقائمة الكتب المنجزة.

فهاتين النصيحتين لعلهما تضمنان لك الإنجاز المثمر المستمر، وتبعدان أهدافك من أن تكون محض حبر على ورق.

أتمنى لك إنجازاً دائماً مستمراً ومثمراً في جميع أوقات حياتك..