في مقطع فيديو لمقابلة مع طفلة مشهورة، يسألها المذيع عما تريد أن تكون في المستقبل؟

فكانت إجابة الطفلة بسرعة دون تردد أو تفكير وإجابة غير متوقعة للسائل والسامعين: أريد أن أكون “حرمة” وعندي عيال
وشدني أسلوبها وهي تعبر عن السعادة التي ستكون فيها: وأمشي بالسوق وأقول لالالاله

لما كنت في عمرها، تربينا في المدرسة أننا ندرس لكي نكون في المستقبل موظفات، وأن هذا هو كل الطموح وديدنه، وكنا نخجل أن نتكلم بكلام مثل هذه الطفلة أو لا يخطر أساسا في بالنا عندما يطرح علينا هذا السؤال، والتي كانت تعبر فينا أنها تريد أن تكون في المستقبل ربة بيت، أماً صالحة لتربية أولاد صالحين، كنا نتعجب منها أولا كيف لا تخجل؟، ثانيا كنا نراها بلا طموح!

ما الذي صنع لدينا هذه الصورة حتى أصبح ذلك فعلا منعكساً على جيلنا حالياً؟، وولد لنا من تبعاته ضعف المسؤولية تجاه الأسرة والبحث عن صنع الذات بأنانية، وكثرة حالات الطلاق، والسعي خلف المظاهر.

لم أتعمق بالبحث عن الجواب بعمق ما تأملت حال المجتمع الآن وكيف تغيرت فيه مفاهيم كثيرة إيجابياً بعد انتشار وسائل الإعلام الجديد، حيث أصبح للفرد دور كبير في نشر الفكرة وترويجها وتعزيز مكانتها لدى الناس، ساهم في ذلك سهولة تبادل الثقافات بين المجتمعات، واحترام كل الفرد لذاته، وتقديره لما يقدمه للمجتمع من دور.

ففي السنوات الماضية، كان التجارة لاسيما بالمواد الغذائية والمنتجات المنزلية لغير المحتاج “عيب”، وكنا ندرس في المدرسة عن خطورة وضعنا الحالي حيث أصبحت مجتمعاتنا مجتمعات مُستهلِكة بعدما كانت مُنتِجة.
أما اليوم فقد عادت ثقافة الإنتاج، وأصبحت الأسر المنتجة موضة العصر، وصارت النظرة لصاحبة المشروع بدلا من “محتاجة” إلى “سيدة أعمال” ذات دخل حر.
وتغيرت حتى الألفاظ وكيفية النطق فيها، فمثلا “طباخة” كانت الكلمة تخرج بتهكم وسخرية، عكس ما هو الآن صارت “الطباخة” لها متابعين بالألوف في السناب والملايين في الانستقرام !

ثم لما دخلت الأمهات عالم الميديا بصفتهم أمهات فقط، لا بصفتهم الوظيفية ولا خلاف لك، فيسجلن يومياتهن كأمهات، وتجاربهن ونصائحهن، تمكنن من إبراز جمالية ما يصنعن وأهمية ما يقدمن، وساهمن بذلك من نشر ثقافة ووعي جديد في المجتمعات ربما وهن لا يشعرن.

وممن يسعون بشكل واضح إلى تغيير نظرة المجتمع إليهم عبر هذه الوسائل ما تقوم به حسابات مثل أ.صفاء الفيلكاوي التي روجت بشكل كبير فكرة الاحتضان، وأعجبني من كلامها لما أنكروا عليها الاحتفال بيوم احتضان طفلها “ليش تحتفلين فيه كمحتضن؟ لازم ما يحس بفرق، حرام تجرحينه”، وفي الحقيقة الطفل لن يشعر بأي شيء من ذلك إلا لو أنه تربى في نيء عن حقيقته (إلا لو أنه تربى أن ثمة شيء يجب أن يكون مخفيا)، كانت صفاء تقول بما معناه: “أريده أن يعيش حقيقته -أن يقابل الناس- باعتزاز لا بخجل وتواري”.

وخلاصة: كل إنسان قادر على تغيير فكرة المجتمع عن دوره الذي يقدمه ما إذا كان مؤمنا بما يقدمه، معطيا ذاته حقها، غير آبه بنظرة النمطيين المحبطين.