من بعد انقطاع عن التدوين، بل ربما انقطاع عن الكتابة، تفتحت أزهار قلمي في سرنديب، الجزيرة الخضراء الممطرة التي أسموها حديثا (سيلانكا)
مذكرات سائحة، سلسلة من التدوينات، أسطر بها خلجاتي بلا ترتيب .. فهي ليست تقرير عن رحلة، بل هي بعض الذكريات والملاحظات والتأملات صنفتها حسب الموضوعات.

 

(1)

 

image

المطار هو الواجهة التي من خلالها يكوّن الزائر الفكرة الأولى عن أهل البلد، والفكرة الأولى دوما ما تسود ويصعب تغييرها لاحقا. أجمل ما يكون عند زيارة أي بلد أن ترى أهله متمسكين ومعتزين بلغتهم وثقافتهم.

عند خروجنا من الطائرة وفي الخرطوم كانت في الاستقبال امرأة تمسك لوحة إرشادية تلبس الساري وقد كان مرتبا، أنيقا وجميلا عليها (لولا كشف البطن) كنت أظنها جاءت تستقبل أحد القادمين وأن واسطتها قوية سمحت لها باستقباله في الخرطوم! ولكن سريعان ما تبين لي أنها موظفة. أبديت بعض الاستنكار، لماذا تلبس موظفة زيًا كأنها مقبلة على مناسبة أو عرس؟ أوليس من المفترض أن يكون الزي موحدا وعمليا؟ رفعت رأسي أتأمل إعلانا حائطيا، ثم نقلت عيني إلى آخر، فإذا بهما يحملان صورة فتاة بذات الزي تماما، أطلقت بصري من حولي فإذا بي أرى نسخ مكررة من تلك الآنسة حتى توصلت أخيرا إلى أنه الزي الموحد للموظفات.

منظر يفرض عليك احتراما تجاههم وتفترض أنك في المقابل ستنال مثله، بيد سِيَمّ الناس في وجوههم لا في لباسهم. إن مجرد النظر في تلك العيون يعطي كمية كافية من الإدراك حول البرود الذي سيستقبلوننا به لأداء إجراءات الدخول، كأننا جئنا نشحذ لديهم لا لأن نكون في ضيافتهم.

البرود ليس قضية أمام الاستحقار! كم هو مخزي في حقهم أن نكلمهم فلا يردون وينشغلون بالدردشة والضحك مع من حولهم كأنهم يستهزئون بنا!

في سيرلانكا لا يبتسم إلا الفقراء، وربما طمعًا في شيء يسمونه “هدية” (واستثني من ذلك المسلمون منهم)

 

image

خرجنا من المطار كمولود من بعد مخاض متعسر.. وأبصرنا الحياة خضراء كأنما هي صلالة عمان لكن بثوب حديقة الصفا في دبي، وأخذنا طريقا داخليا تضلله أشجارهم وتتفرع منه طُرق أضيق والناس من حوله يعيشون حياتهم الطبيعية، بيوت بسيطة وجميلة مرتبة على نمط كلاسيكي على الأرجح أنه متأثر بالاستعمار البريطاني. المشاة مكتضون على حواف الطريق، راكبو الدراجات فرادا ومثاني ..

سيارات التوك توك .. محلّات الفواكهة، ثمرات جوز الهند، وحزم الموز المعلقة رأسيا..

أرى ذلك كله من نافذة السيارة كأنما هي شاشة التلفاز تعرض أحد الأفلام الهندية. فقط كنت أتمنى لو توقفت بنا السيارة ونزلت أمشي في تلك الدروب أشاركهم الحياة.