ساعة كتابة!, متى كانت اللحظة التي قررتُ فيها أن اخصص وقتا للكتابة؟ كلا هذا لم يحدث ولن يحدث..

ما تزال الكتابة في نظري شيء يفرض نفسه لا يخصص له ولا يتوسل له بالقدوم..

الأبعاد ساكنة.. الأعمال منجزة.. هالة من الفراغ تحيط بي,, كل شيء ينادي أنها الفرصة التي لن تكرر لأن أكتب..

اتصفح اجهزتي الإلكترونية.. أقلب صفحات الملاحظات وبرامج الإدخال والطباعة, إني استصعب الأمر.. استصعب الكتابة عليهم ..استصعب الكتابة ككل,, كيف لي أن أكتب فيما لا أعرف ما هو؟ الخطأ الذي أكرره ثانيا لأهرع إلى الثرثرة وكتابة ما لا تصلح للقراءة..

لكن هذه المرة لابد أن تكون مختلفة.. رغم تشابهها مع تجربة سابقة لابد أن تكون مختلفة..

محاولة أخرى للكتابة, بعيدة عن عالم التقنية.. أمسك بالقلم, أفتح الدرج, أخرج دفترا قديما كنت قد أعددته للكتابة.. الكتابة فقط.. فيه الكثير من الذكريات وبعض الكتابات التي نشرت وبعضها التي لم تنشر, وبعض المسائل الحسابية التي تشهد علي نقض عهدي.. اقراري بأن الدفتر غير صالح للكتابة, أو أنني غير صالحة للكتابة فيه.. وإني فضلت التقنية على الدفتر والقلم بالأصح..

(1)

انهيت اليوم قراءة رواية “عائشة تنزل إلى العالم السفلي” لبثينة, أسلوب الكاتبة سنفر عن عقلي الصدأ.. وكأنني كنت أسمع صوت الاحتكاك الذي من شدة وطأته أغمضت عيني لأدخل في عالم الأعماق حيث تسبح بي الذكريات لأصل لتلك الطفلة في داخلي التي عشقت يوما الكتابة هائمة بالخيال المفرط مكونة عالمها الرقيق ذي التفاصيل الصغيرة التي ينظر إليها عبر المجهر.. ثم تلاشى عالمها بهرم العقل وعزوفها وانقطاعها لكثرة ما كان يلهيها..

تساءلت, هل ستنال تلك الطفلة يوما ذلك الزخم الأدبي الذي نالته بثينة.. وكيف السبيل؟

(2)

ما تزال معركتي في سبيل القراءة قائمة, ما زلت انخرط بين الكتب وما ألبث أن أنتهي من أحدها حتى أبدأ بآخر.. بيد أن هنالك سؤال ما أزال أطرحه بعد الانتهاء من أي كتاب.. ماذا أقرأ لاحقا؟.. أجدني بحيرة كبيرة لأنني ببساطة أريد أن أقرأ كل شيء وفي كل شيء يتحجج علي الوقت ويتصارع معي المزاج..

ما زلت أؤمن أن القراءة هي خير سنفرة للعقل من الصدأ.. فحتى الأفكار القديمة والمبادئ التي قد رسمها الإنسان لنفسه ونساها تظهر بعد القراءة ساطعة كأنها ابنة اليوم, ويتعجب المرء كيف اختفت!

كان ذلك خصوصا وأنا أقرأ كتاب “قصة الالتزام والتخلص من رواسب الجاهلية” لشيخ محمد حسين يعقوب

أبعاد واضحة جدا, مرتبة مصنفة كما يحب العقل ويسهل عليه, تدعو إلى المبادئ الشريفة التي أتى بها الإسلام وتطهر النفس من الرواسب الزائفة التي تقسو على القلب وتصلبه.. تريح العقل من كثرة التفكير و التخبط والضياع مع الأفكار والفلسفات الحديثة التي اختلط فيها الحابل بالنابل.. هو فقط منهجنا واحد واضح فلسنا بحاجة إلى البحث في آراء البشر ولنا الله..

(3)

الفلسفة, كلمة ذكرها كافي لتحقيق صداع الرأس.. النفس تحب التفكر في التفاصيل وتحليل الأمور, لكن الإفراط قد أدى بنا إلى وادٍ بعيد كافي لتحقيق الإنسان المعقد المتشدد الصارم البعيد عن لقب المفكر.. أو أنها عند كثير من الناس جرف يقودهم إلى هواية موت القيم لتراهم يصلون لحد التجاوز والتغاضي عن حدود الدين, يقحمون أنفسهم فيما لا علم لهم..

وبمناسبة لقب المفكر.. تذكرت لوهلة كتاب اضعه في رف مكتبتي يدعى “تكوين المفكر” لعبد الكريم بكار, قد شرعت في قراءته قبل سنة ولم اكمل ربعه لأني توقفت كسلا, والحقيقة, لأنه كتاب دسم.. يحتاج لذهن فارغ متفرغ للقراءة والتطبيق في آن سواء..

(4)

لقد كانت نفسي قبل أشهر تشهد علي أني إنسانة أخرى!

لا أعلم ما السبب, ولكنها تدينني وبقوة إنني قد فترت.. أوقن كما ذكرت فيما سلف أن الإنسان يتغير بنسيان بعض من قناعاته ومبادئه ساهيا عنها غير متعمد لدفنها حية تحت أكوام الصدأ.. العجيب أنه حقا ينساها, ولا يستطيع التنقيب عنها بسهولة..

بعون الله زال بعض الفتور, بدأت اتعافى قليلا, وما زلت في فترة النقاهة ولم أعد تماما كما كنت أو هكذا يبدو.. ولكن السؤال الذي ما يزال يحيرني .. لماذا هذا التحول المفاجئ! وكيف حل الفتور..؟

الحسد!

يقال أننا نبحث عن أظهر الأسباب و أسهلها وأبعدها لنبرر ما يحصل حولنا أو لنا.. وأنا لا أحب هذه الطريقة من التفكير بل إني أمقتها.. ولكني لا استبعد أبدا أن أكون قد حُسدت! ومع إقراري بتقصيري في تحصين نفسي.. ولكن من يحسدني؟ لربما أكون أنا عائنة نفسي والمعيونة في آن سواء..!

(5)

ماذا تقول إذا بدء العد التنازلي لموعد شيء ما! ولم يكتمل نصفه حتى..

شعور بالرهبة, برغبة بالفتك.. والخوف!

الخوف من الفشل,, من التهاون من الاستسلام.. الخوف من تكرار أخطائك كأنك لم تتعظ ..

(6)

تأملتُ:

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

[سورة الأعراف]

ــــ

كتبتها نفسي:


يوم الاثنين

23-جمادى الآخر-1433

14-مايو-2012