قالت وهي تجلس في المقعد المقابل: “نحن الفلسطينيون شعب كُتب عليه المعاناة و الحمد لله موقنون أن من كتبها عليها لن ينسانا”

أدمعت عيناي و هي تسرد الابتلاءات المتواصلة و تقول:

“مرت علي أيام لا أجد فيها اللقمة لأضعها في فيّ أبنائي, أقول لأبوهم أفعل شيئا الأولاد لا يقولون لك لكنهم يأكلون قلبي أنا فحسب بتكرارهم أمي نريد أن نأكل, متى نأكل يا أمي؟, يأخذ أبوهم مصحفه و يدخل في غرفة غالق على نفسه و تتكالبني الهموم.

رفعت سماعة الهاتف أطلب أبي فلما رن, أغلقته, خجلت, تعففت. لم أجد حينها إلا أن أتصل بأختي التي تمون علي, قالت وهي تعاتبني: تمرون بهذه الظروف ولا تخبريني وأنا أختك, مالي مالك, ولا أبخل عليكِ به

أرسلت ابني مسافة ساعة سيرا ليأخذ النقود من خالته ثم يشتري لنا بها بعض الاحتياجات, فوجدت أبي قد اتصل علي, فعلمت أن أختي أبلغته, طلب مني أن أزوره فقلت له حاضر.

بينما كنت في زيارته, أخذني إلى مكان بعيد كي لا تسمع أمي الذي تعاني الضغط و السكر, وقال: يا بنيتي, أتطلبين من أختكِ وأنا أبوك في عافيتي؟ والله لو أنها لقمة لقسمتها بيني وبينك.

حضنني و دخل في بكاء عميق..

أثناء تسوقي في اليوم التالي صادفته، فأخذ وجهي بالتلون وهو يضع لي حاجات فوق التي أطلبها في سلة التسوق ويصر على دفع الثمن، قال لي: يا بنتي اليوم أنا بخير، غدا قد لا أكون.

وما هي إلا شهور، ودخل والدي في عملية قلب مفتوح، كان قلبي غير مطمئن أبدا و حصل ما توقعته، رحل..

كان إدخال جثمانه إلى غزة قصة طويلة و مأساة، لدرجة أن الناس ظنته شهيد و أخذت تهتف في الجنازة به كشهيد. وكنت أقول: وهو المغترب عن دياره كشهيد بين أحبابه.”

انتهى لقاؤنا معها، وأنا أعاتب نفسي لكم تطاولنا على النعم و قصرنا في الحمد.. نعم سابغة أنعمها الجليل علينا حُرم منها الكثير..

قال صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”