أي صديقة،
لأن الأيام التي كانت تحتوينا لم تعد تحتوينا
لأن النقاء الذي كان يملأ كؤوسنا لم يعد مستقرا..
كثيرا ما يتبخر و كثيرا ما نعود لنسكبه من جديد..ليكون ممتلًأ جديدا صافيا, لا يحتوي على أي شوائب..
ولأن أرواحنا تعاهدت على البذل, على العطاء..على الرسالة والإرتقاء..
وقلوبنا نبضت بالوفاء ليكون ذلك العهد بيننا قائما..
ولأن العهد لم يعد بقوته..

حيث تزعزع الشياطين أنفسنا ..تخادعنا حتى تغدو قلوبنا فيها من السواد..فتضحك علينا أن تمكنت منا..!

ولكنه يزول..نعم لقد أدركنا الحقائق ووضعنا المسلمات..أننا في هذا الوجود لا نقبل السواد ولا الانتكاسة, وأن لنا ربًا ودودًا هو الذي يغيثنا بماء يغسل القلوب..ليكسوها الطهر..

لأجل ذلك كله و غيره وكثير مما أجد..
أكتب إليكِ..إلى روحكِ السماوية التي عرفتها منذ أول مرة عرفتكِ ..التي لم ولن أقتنع بحديثك عن زوالها واندثارها..
فالنفس البشرية كثيرة الضعف.. قد تسقط من السماء لتنسى يوما أنها كانت تحلق فيها..لكنها تعود وتستفيق وتفيق من جديد فجديد..

وفجأة منذ زمن بعيد..لأول مرة تتراقص أحرفي..تتراكم بعضها فوق بعض, تنادي اليراع أن لا يتأخر عليها..ليكتبها كمشاعر تصدر من القلب.. مهداة إليك ومكتوبة فيك ..وقد تكوني تقرئينها الآن ولا تدركين أن المقصودة هي أنت..!

أحتار في وصف تلك الأيام السريعة التي جمعتنا..كيف اجتمعنا..؟ أين..؟ وعلى ماذا..؟
وأندم جدا جدا أن تلك الأيام كان قصيرة ..
لماذا لم تلتقي أرواحنا مسبقا..لنحلق سويا في سماء الرفعة؟
أصعب علينا ووجوهنا تلتقي في أغلب الأيام ببعض ولسنين عدة؟

عندما اجتمعت أرواحنا.. كان ذلك عيدا بحد ذاته أن أجد من أنت منهن.. “عاليات الهمة”..لكم كانت تلك أمنية ظننتها مستحيلة لأني بطبيعة الحال كنت “هبلة” لأنني تشاءمت وظننت الدنيا قائمة, لم تعد فيها الوجوه النيّرة, لم تعد تحتوي أهل الخير و لا الصحاب الصالحة..

ذات يوم.. آلمني رحيلكِ دون أن نلتقي لأودعكِ، فلا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام، وما هي مفاجآت المرحلة القادمة من الحياة..لكني أيقنت أن ذلك اللقاء لو حصل أو لم يحصل لن يغير شيئا أو يضيف.. ما دامت حبال التواصل بيننا..ما دامت أرواحنا في لقاء دائم..وكذلك الحال..

مفاجآت الحياة كثيرة وقد تكون كبيرة كافية لتصفعني إحداها إذ لم أرك كما عهدت..!  إذ خفّت همتك..إذ غشاك اليأس يوما، إذ تبخر النقاء من كأسه وضعفت قواك عن ملئه من جديد، إذ كان بودي لطمك علكِ تستفيقين..
وإذ أراك بعد أيام قد تعافيتِ!
وأحلق في سماء السعد والحبور.. تعجز الكلمات عن تلك السعادة التي لم أظهرها أمامك..بيد أني أتوقعكِ تتخيلينها..

أريدك دائما كما عرفتكِ في أول لقاء وأفضل..وستبقين في ذهني كذلك..ولن تخيبين ظني أبدًا..
وإليك أكتب وقد فاحت رائحة الحنين..ونبشت الأشواق في الذكريات..وليست أول مرة أكتب فيها إليكِ أو عنكِ هنا..
هل أدركتِ الآن من تكونين؟

 

بخصوصكِ:

أسامر ذكراكِ ~

{..ثنيّة (17)